تغدو مسيرة الهجرة وبعد قرابة 1444عاما مثالا يحتذى في العبرة والتعلم؛ ودع رسول الله–صلى الله عليه وسلم–مكة صابرا ومستشرفا مستقبلا في مكان آخر وملب لأمر الله في الهجرة إلى يثرب حيث تكون الدولة ومن بعدها الفتح.
غداة ولحظة الوداع ينظر المصطفى المختار كما ورد عن ابن عباس، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إني لأخرج منك، وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمها على الله تعالى، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك».
وداع مع ظلمة الليل والأهل ووعد بفتح قريب وثقة بالعودة من جديد، وتمضي قافلة الهجرة عبر المسافات ومع الصديق ورعاية الله ليكون الاستقبال مهيبا سمحا من أهل يثرب يرقى إلى بشرى تأسيس الدولة وتنظيم وإدارة شؤونها من عهد الإخاء بين المهاجرين والأنصار وبناء المسجد ليكون الانطلاقة والاجتماع والتشاور ومركز الدعوة.
وداع صعب ولكنه مطلب للصبر ومقياس للإيمان والامتثال والعهد والتنفيذ للأمر الإلهي والبديل الشاق والرحلة الأخطر حين أجمع القوم أمرهم على قتل محمد وتوزع دمه على القبائل، مكروا ومكر الله والله له التدبير في الأمر من قبل أو بعد.
دهاء مقابل حكم، وقصة هجرة يلفها حزن الوداع يقابلها شوق للعودة وفتح مبين ونصر عظيم وصفح كريم، ذلك ما كان من أولى المحطات الوداع ليلا والسير عزما وتصميما ورجاء بالوصول دون خوف برعاية الله.
ولعل غار ثور فيه من عبر النجاة والمناجاة والمواجهة بين الحقيقة والغطرسة، ما يكشف الخط الفاصل بين الحق والباطل، ويعطي للصديق نصرة ولرسوله من زاد الرحلة الكثير ويكشف لسراقة بن مالك سرا سيكون ولبسه سواري كسرى فيما بعد علامة الصدق والالتزام بما يكفي للزمن حينئذ من حزم بأمر الله.
الوصول والاستقبال محطة للفتح فيما بعد وفلسفة تامة للبناء في بيئة أفضل وأرحم وخصبة من الكفاءات والقدرات والإمكانيات وبما توفر من مقومات للدولة من بنية التأسيس وعقد البناء والمراحل المتتابعة من الجهد والتضحية والتي تحتاج حين ذكر الهجرة النبوية إلى شرح مفصل وبيان للانطلاقة الدولة من المدينة المنورة ومن ثم مكة وإتمام الدعوة في حجة الوداع ثانية من جبل عرفات.
رسائل كثيرة ومهمة لنجاح أي مهمة ومن التخطيط، التجهيز، السرية، الثقة، التحمل والصبر، دور الرفيق، دور المرأة، دور الإعلام، الحشد والتأييد، الوعد والعهد، دقة الاختيار، المراحل وتحديد الأهداف لكل مرحلة، الإيثار والتضحية المادية والمعنوية، أواصر الإخاء والوحدة والوفاء، العفو والصفح، الرقة والمودة، التخطيط والتحوط، الشوق والانتظار، العدل، تقدير الكفاءات، ودروس ذهبية لإنصاف الهجرة النبوية بشكل حضاري وإنساني.
يكتمل الأمر وكله لله بفتح مكة المبين ودخولها بعد غياب ليلبث فيها زمنا يكفي لإتمام الدعوة ويودعها ثانية إلى الانتقال للرفيق إلى الرفيق الأعلى بعيدا عنها حرمة لها من وإكراما لنبيه مراتب عظيمة ومنازل رفيعة في الدنيا والآخرة.
ندخل الآن عاما هجريا معطرا برغبتنا في إنصاف رحلة الهجرة بما تستحقه من عبر فائقة المعنى والمضمون وللأجيال كافة والتي لا تعرف سوى القليل عن انطلاقة غيرت مجرى الدعوة بعد عناء المشقة والصد والرفض والمقاومة والسوء والتآمر، ولعلها مناسبة لمن يتقن فنون التواصل الاجتماعي للمساهمة في دفع قصة الهجرة لتتصدر الحدث وتشرح الهدف بوضوح وببساطة وحبذا بلغات متعددة.
عام هجري جديد مفعم بأمنيات نرجو أن تكون مباركة وطيبة بخير الرسالة والهجرة سواء بسواء.
[email protected]